الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

رواية اللعنة (2)











 جالسين في العزاء و صبي صغير يوزع القهوة علينا لتعب امي ، مر اسبوع علي وفاة عمتي .. سيقانها او اخر ما تبقي منها الصقت فيها في الاوراق الرسمية تهمه الانتحار حرقاً ، و تم تجاهل مهاتفه الجارة التي تلقت استغاثه و تشكيكي لهم في امر الانتحار حرقاً الذي لن يحدث بتلك السرعة و بهذا الشكل من قبل ، حتي الطبيب الشرعي الذي حاولت التقرب منه اكثر لأفهم كان مندهش ولكن لعدم وجود ادله علي اي شئ سوي الاحتراق بالاضافه الي سجائرها تم الامر بهذا الشكل .

ابي يجلس في زاويه الغرفه ولا يسلم حتي علي المعزيين فأنوب عنه و اعتذر لهم متحججاً بإنها كانت اخته المقربه ، و الحقيقه انه لم يكن له اخوات سواها و كان يزورها كل شهر و يتصل بها اسبوعياً فقط كما يستلزم الواجب في نظره . هو صامت من اليوم الذي تلي زيارتنا الليليه لها . يومها رحل ابي مسرع لينقذ امي بعد ان طلب الشرطه و تركني مع السيقان التي نبهته بها فلم يتقبل انها لعمتي و اتصل بالشرطه ليحققوا في الامر و تركني في الشقه خوفاً من ان يسرق الشقة احد بعد ان كسرنا بابها . عدت للغرفه اتأمل مجدداً و انا غير واثق فيما رأيت - او هذا ما أأمله – ومثلما توقعت الاسوء لمشاهدتي الخيال العلمي تعلمت الحذر من الافلام البوليسيه ، شخص عاطل وفاشل مثلي ماذا يتوقع احد منه سوي تحقيق نفسه في صوره ابطاله المفضلين المحبوسين خلف الشاشه .

لطالما بقيت عند عمتي في صغري فهي قريبتي الوحيده من جهه ابي و الوحيده ككل التي تسكن العاصمه مثلنا .. و مؤخراً كانت ملاذي كلما طردني ابي او قمت بمصيبه ما فاختبأت عندها .. لذا لم يقلقوا علي في البيت ابداً حين اختفي لعده ايام . كان سعد ابنها اخي و صديقي المفضل حتي هرب من جحيم البطاله الذي اعيشه يومياً و تركني بوعد ان يساعدني لألحق به يوماً ما ويبدو ان هذا اليوم لم ولن يأتي او ان سعد نسي وعده.

ادري ان الشرطه ستأخذ وقت حتي تأتي و سينحوني جانباً لمعاينه الغرفه و في النهايه سيتذكروني فقط للأسئله التي لا تنتهي ، لذا دخلت المطبخ و فتحت درج معين ادري ان عمتي كانت تضع بها قفازاتها البلاستيكيه التي كانت تستخدمها اثناء التنظيف و عدت للغرفه بسرعه و بدأت في التنقيب بحرص بحيث لا اترك بصمات او احرك الاشياء الاساسيه من اماكنها حتي لا أؤثر في نتائج التحقيق او اطأ بقدمي علي رماد عمتي الحبيبه و لكن كان ذلك سدي فوضعت القفازات في جيبي حتي لا تكون دليل مضلل يقود لي و جلست في انتظار الشرطه .


الايام التي تلت ذلك اكد الطبيب الشرعي ان السيقان لعمتي و اعلن انها ماتت محترقه ثم بدل السبب من حادثه غير مقصوده لأنتحار بعد ان علم من الجاره انها كانت تشكو الوحده و تتمني الموت ، جاء زوج عمتي استلم الشقه دون ان يأبه بما حدث ، و ابي طوال الوقت مع امي التي دخلت في غيبوبه بلا سبب منذ هذا اليوم الشنيع وتفاجأ بموت اخته بعدها بأربع ايام – و تمكنت وقتها من زياره امي - فأصر ان يقيم العزا مجدداً في بيتنا وغالباً ذلك لشعوره بالذنب لتقصيره نحوها في حياتها و عدم التعرف عليها او الوقوف معها – مع جثتها – بعد موتها .

غياب امي عن البيت يشعرني بحاله من النقص و الفراغ الذي اكده ابي بصمته ، بعد اربع ايام من حجزها تمكنت بصعوبه من زيارتها و هالني شحوبها و لم اصل مع الاطباء الحائرين لسبب لغيبوبتها رغم انها كانت في كامل صحتها – كما اظن – قبلها .

ابلغتهم ان اخر كلماتها كانت انها تشعر بالأختناق و كان صوتها به استغاثه و لكن ما زادهم كلامي الا تخبط و حيرة . اخوتي لأننا في فتره اجازتهم الدراسيه كانوا يأتوا لها يوميا من الصباح الباكر مع بدايه موعد الزياره حتي نهايته . ندي اختي في ال20 من عمرها كانت تأتي تتأمل امي فقط في صمت و حزن ثم بعد ايام ايقنت ان الوضع قد يطول فبدأت تحكي لها يومياً عن احوالنا و كأنها واعيه، اما عادل اخي الصغير في التاسعه كان في البدايه يبكي فوق ذراعها ثم بعدها اصبح يبكي في حضن ندي ثم حين لم يتبدل الحال اصبح يجلس صامتا فقط . تلك التفاصيل حكت ندي لي بعضها و عشت بعضها معهم . كنا جميعاً نرحل علي الثالثه بعد إنتهاء وقت الزيارة لنعود للمنزل لتبدأ ندي تغطي غياب امي سواء في الطعام او النظافه بكل اشكالها .

لاحظت طوال العزا الذي امتد لثلاث ساعات رغم توافد الرجال علي الصاله و رحيلهم ان هناك شاب يرتدي جينز و قميص اسود و عيناه فاتحه لم احدد لونها ينظر لي ، لا اعرفه و لم التقه في حياتي من قبل ، اتي اول المعزين و ظل جالساً محدقاً بي دون ان يبال بأحد حتي انهيت دوري في تغطيه ابي و افقت من شرودي الذي طال . قام حين انتبهت له و اظهرت له اني مندهش من تحديقه و توجه لي و سلم علي قائلاً "البقاء لله" و رحل تاركاً في يدي وريقه ملفوفه بدقه كانت بين اصابعه حتي لا ينتبه لها احد فدسستها في جيبي حتي انتهي العزا تماماً بعد نصف ساعه و رحل الناس و دخل أبي لغرفته في صمت كالمعتاد فدخلت غرفتي و فتحتها ووجدت مكتوباً بها بخط أحمر و بشكل مبعثر كلام جعلني انزل ركضاً و انا اسب نفسي علي عدم قرائتها مبكراً و كان ما توقعته قد حدث و الشارع فارغ تماماً من الناس فعدت مجدداً و أعدت قرائتها و انا احاول ان افهم شئ و لكن بلا جدوي فكل ما هو مكتوب كان :
" امك كانت مع عمتك فاتخنقت ... عايز تعرف ايه اللي حصل و تنقذها افتح مخك و هتلاقي في نفسك اللي متتخيلهوش بس لازم تعرف انك هتهد حياتك القديمه كلها .... حصلني " .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق