جالسين في العزاء و صبي صغير يوزع القهوة علينا لتعب امي ، مر اسبوع علي وفاة عمتي .. سيقانها او اخر ما تبقي منها الصقت فيها في الاوراق الرسمية تهمه الانتحار حرقاً ، و تم تجاهل مهاتفه الجارة التي تلقت استغاثه و تشكيكي لهم في امر الانتحار حرقاً الذي لن يحدث بتلك السرعة و بهذا الشكل من قبل ، حتي الطبيب الشرعي الذي حاولت التقرب منه اكثر لأفهم كان مندهش ولكن لعدم وجود ادله علي اي شئ سوي الاحتراق بالاضافه الي سجائرها تم الامر بهذا الشكل .
ابي يجلس في زاويه
الغرفه ولا يسلم حتي علي المعزيين فأنوب عنه و اعتذر لهم متحججاً بإنها كانت اخته
المقربه ، و الحقيقه انه لم يكن له اخوات سواها و كان يزورها كل شهر و يتصل بها
اسبوعياً فقط كما يستلزم الواجب في نظره . هو صامت من اليوم الذي تلي زيارتنا
الليليه لها . يومها رحل ابي مسرع لينقذ امي بعد ان طلب الشرطه و تركني مع السيقان
التي نبهته بها فلم يتقبل انها لعمتي و اتصل بالشرطه ليحققوا في الامر و تركني في
الشقه خوفاً من ان يسرق الشقة احد بعد ان كسرنا بابها . عدت للغرفه اتأمل مجدداً و
انا غير واثق فيما رأيت - او هذا ما أأمله – ومثلما توقعت الاسوء لمشاهدتي الخيال
العلمي تعلمت الحذر من الافلام البوليسيه ، شخص عاطل وفاشل مثلي ماذا يتوقع احد
منه سوي تحقيق نفسه في صوره ابطاله المفضلين المحبوسين خلف الشاشه .
لطالما بقيت عند
عمتي في صغري فهي قريبتي الوحيده من جهه ابي و الوحيده ككل التي تسكن العاصمه
مثلنا .. و مؤخراً كانت ملاذي كلما طردني ابي او قمت بمصيبه ما فاختبأت عندها ..
لذا لم يقلقوا علي في البيت ابداً حين اختفي لعده ايام . كان سعد ابنها اخي و
صديقي المفضل حتي هرب من جحيم البطاله الذي اعيشه يومياً و تركني بوعد ان يساعدني
لألحق به يوماً ما ويبدو ان هذا اليوم لم ولن يأتي او ان سعد نسي وعده.
ادري ان الشرطه
ستأخذ وقت حتي تأتي و سينحوني جانباً لمعاينه الغرفه و في النهايه سيتذكروني فقط للأسئله
التي لا تنتهي ، لذا دخلت المطبخ و فتحت درج معين ادري ان عمتي كانت تضع بها
قفازاتها البلاستيكيه التي كانت تستخدمها اثناء التنظيف و عدت للغرفه بسرعه و بدأت
في التنقيب بحرص بحيث لا اترك بصمات او احرك الاشياء الاساسيه من اماكنها حتي لا
أؤثر في نتائج التحقيق او اطأ بقدمي علي رماد عمتي الحبيبه و لكن كان ذلك سدي
فوضعت القفازات في جيبي حتي لا تكون دليل مضلل يقود لي و جلست في انتظار الشرطه .
الايام التي تلت ذلك
اكد الطبيب الشرعي ان السيقان لعمتي و اعلن انها ماتت محترقه ثم بدل السبب من
حادثه غير مقصوده لأنتحار بعد ان علم من الجاره انها كانت تشكو الوحده و تتمني
الموت ، جاء زوج عمتي استلم الشقه دون ان يأبه بما حدث ، و ابي طوال الوقت مع امي
التي دخلت في غيبوبه بلا سبب منذ هذا اليوم الشنيع وتفاجأ بموت اخته بعدها بأربع
ايام – و تمكنت وقتها من زياره امي - فأصر ان يقيم العزا مجدداً في بيتنا وغالباً
ذلك لشعوره بالذنب لتقصيره نحوها في حياتها و عدم التعرف عليها او الوقوف معها –
مع جثتها – بعد موتها .
غياب امي عن البيت
يشعرني بحاله من النقص و الفراغ الذي اكده ابي بصمته ، بعد اربع ايام من حجزها
تمكنت بصعوبه من زيارتها و هالني شحوبها و لم اصل مع الاطباء الحائرين لسبب
لغيبوبتها رغم انها كانت في كامل صحتها – كما اظن – قبلها .
ابلغتهم ان اخر
كلماتها كانت انها تشعر بالأختناق و كان صوتها به استغاثه و لكن ما زادهم كلامي
الا تخبط و حيرة . اخوتي لأننا في فتره اجازتهم الدراسيه كانوا يأتوا لها يوميا من
الصباح الباكر مع بدايه موعد الزياره حتي نهايته . ندي اختي في ال20 من عمرها كانت
تأتي تتأمل امي فقط في صمت و حزن ثم بعد ايام ايقنت ان الوضع قد يطول فبدأت تحكي
لها يومياً عن احوالنا و كأنها واعيه، اما عادل اخي الصغير في التاسعه كان في
البدايه يبكي فوق ذراعها ثم بعدها اصبح يبكي في حضن ندي ثم حين لم يتبدل الحال
اصبح يجلس صامتا فقط . تلك التفاصيل حكت ندي لي بعضها و عشت بعضها معهم . كنا
جميعاً نرحل علي الثالثه بعد إنتهاء وقت الزيارة لنعود للمنزل لتبدأ ندي تغطي غياب
امي سواء في الطعام او النظافه بكل اشكالها .
لاحظت طوال العزا
الذي امتد لثلاث ساعات رغم توافد الرجال علي الصاله و رحيلهم ان هناك شاب يرتدي
جينز و قميص اسود و عيناه فاتحه لم احدد لونها ينظر لي ، لا اعرفه و لم التقه في
حياتي من قبل ، اتي اول المعزين و ظل جالساً محدقاً بي دون ان يبال بأحد حتي انهيت
دوري في تغطيه ابي و افقت من شرودي الذي طال . قام حين انتبهت له و اظهرت له اني
مندهش من تحديقه و توجه لي و سلم علي قائلاً "البقاء لله" و رحل تاركاً
في يدي وريقه ملفوفه بدقه كانت بين اصابعه حتي لا ينتبه لها احد فدسستها في جيبي
حتي انتهي العزا تماماً بعد نصف ساعه و رحل الناس و دخل أبي لغرفته في صمت
كالمعتاد فدخلت غرفتي و فتحتها ووجدت مكتوباً بها بخط أحمر و بشكل مبعثر كلام
جعلني انزل ركضاً و انا اسب نفسي علي عدم قرائتها مبكراً و كان ما توقعته قد حدث و
الشارع فارغ تماماً من الناس فعدت مجدداً و أعدت قرائتها و انا احاول ان افهم شئ و
لكن بلا جدوي فكل ما هو مكتوب كان :
" امك كانت مع
عمتك فاتخنقت ... عايز تعرف ايه اللي حصل و تنقذها افتح مخك و هتلاقي في نفسك اللي
متتخيلهوش بس لازم تعرف انك هتهد حياتك القديمه كلها .... حصلني " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق