السبت، 19 أكتوبر 2013

رواية اللعنة (5)



( 5 ) 






ضحك بصوته المبحوح قليلاً و قال هو يعطني لكمه خفيفه في كتفي
-         هو انت ؟ ... يا شيخ خضتني .. انا قلت حرامي
نظرت لسعد غير مصدق عيني ، أنه لم يأتي في أي من جنازتين والدته فمتي حضر ؟
- انت جيت امتي يا سعد ؟
- النهارده الصبح
- و متصلتش بيا ليه
- كنت هتصل بس كنت تعبان قوي ، وصلت نمت علي طول و صحيت علي صوت كركبتك،  كنت بتعمل ايه ؟
- هحكيلك علي كل حاجه بس قولي الأول .. انت ازاي متجيش جنازه مامتك ؟
- مهي ظروف البلد وقفت الطيران قال ايه اضراب فاتحبست ترانزيت يومين في بلد معرفش اهلها بيتكلموا ازاي لغايه ما اتفك الحصار ؟
- يومين ؟ امك ميته بقالها فتره
- و هو حد فيكم فكر يبعتلي يقولي ، ده انا بتصل بيها زي عادتي كل اسبوع لقيتها مبتردش و معرفش لأبويا رقم و دخت عقبال ما وصلت لناديه و نهي و الاتنين كانوا زيي مهي العيله حبلها اتفرط خلاص بس المهم اني خدت رقم باباك منهم و اتصلت بيه فندي اختك هي اللي حكيتلي كل حاجه و بصراحه اتصدمت .. انا كنت عارف ان امي مكتأبه ووحيده و كنت بحاول اخفف عنها بتليفوني الاسبوعي بس متخيلتش ابدا ان الموضوع ممكن يوصل معاها
للأنتحار .
- مش عارف يا سعد ... في حاجات مش تمام في الموضوع ده
- لأ براحه عليا ... بص تعالي نعمل شاي و نتكلم و تحكيلي الموضوع من الأول و تفهمني
- يبقي تيجي عندنا و علشان نعرف نتكلم كويس بعيد عن حفرة الذكريات المتربة دي


............................................................................................................

تجلس ندي بالقرب من والدتها ثم تقترب بشده من أذنها  تهمس في اذنها
- ماما أحمد عمال بيلف و انا مش قادره اسكت اكتر من كده ، اللي مسكتني اني خايفه من رد فعله ، مش هيسامح بابا أبدا .
يدخل عادل من الباب و ينظر لأخته بعيون متسائلة
- أنتِ بجد مصدقه أنها بتسمعنا يا ندي ؟
تعتدل ندي و تنظر لأخيها الصغير بحنان
- اه اكيد .. بكره لما تصحي هتلاقيها بتحكيلنا كل اللي قولناه
- بجد .. طيب يا ماما سعد رجع و أخد سريري .. هو مش عندُه سرير في بيته ؟
- عيب يا عادل ، اسمه اونكل عادل ده قد أحمد
- مهو انا زعلان كمان من ابيه احمد
- ليه يا عادل ؟
ينظر لأمه الراقده و تدمع عينه فتأخذه ندي في حضنها
- لأ يا عادل .. ماما تعبت علشان ربنا كتب كده و محدش سبب في ده .. ادعيلها بس تفوق بسرعه
- مهو لو كان موجود هو ولا بابا كان لحقها
- و يسيبوا عمتو يعني ؟.
- مهي كانت ماتت بقي .. انا كنت بخاف منها اصلا
- ادعي لربنا يا عادل يخفف ماما و يرحم عمتو و متكلمش تاني كده
- حاضر

............................................................................................................


الواد ابو عيون زُرق ده هيجنني ... ازاي يبقي في صوره قديمه ليه و هو صغير مع أمي و أمك و أختي و منعرفش عنه حاجه ... انا مكنتش هعرفه لولا عنيه المميزين دي
- سيبك منه .. انت قلت كان في ورقه مع الصوره ، فينها
- انت جدع .. انا كنت نسيتها اصلا
- فالح
- انا معايا ورق كتير من عندكم في البيت كمان
- ده انت قلّبتنا بقي
- انا مخدتش غير الورق يا سعد علشان افهم امك ماتت ازاي
- خلاص متزعلش كده انا كنت بهرج معاك ، هات الورقه اللي كانت مع الصورة الاول و بعدين نشوف الباقي
يعبث أحمد في جيبه ثم يخرج ورقه بيضاء مطويه عده مرات و يفتحها برفق فيخطفها سعد و يفتحها بسرعه و يقرأ بصوت عال غير مبال بأعتراض أحمد
- صغيري .. كم تمنيت أن اصارحك و لكنك لطالما كنت بعيد و منزوي تبكي حظك السئ و الذي لم يكن في يدينا شئ لتغييره فمفتاحك معك و عليك أن تجده بذاتك  ، و حين تجده عليك أن تعلم أنك مثلنا و لكن لسنا كلنا كذلك و هناك منا من ينكر ما ستجده او يحاربه او لا يدرك كيف يتعامل معه و هناك من ليس منا سيحسدك عما لديك  وسيبحث دائماً عن وسيله لأقناعك أنك ملعون و سيقلب حياتك جحيم أزرق فأنتبه . و قد تركت لك ملاكاً مثلك و لكن واسع الأفق ليدلك عما تبحث عنه و لكن لن تعرفه إلا حين تجد مفتاحك ، فأحذر يا صغيري ... أمك نبيلة .
-منزوي و مفتاح و جحيم ؟
- لأ و في ملاك كمان شوف الهنا
- بطل تريقه بس ، بزمتك أنت فهمت حاجه ؟
- اه فهمت ، أمك بتقولك أعمل نسخه علي مفتاح البيت
- يا شيخ أتلهي ... من أمتي أمي بتمضي بأسمها
- و أنت كنت بتقرا الجوابات اللي هي بتبعتها لحد علشان تعرف هي بتمضي بأيه ؟
- صح .. بس هي لما بيبقي في حد جايب جواب و لا أي حاجه كانت بتخليني أنا او اختي اللي نستلم و نمضي
- طيب قوم دور علي اي جوابات تانيه ليها لأي حد
- أنا قلبت الشقه و مقابلنيش حاجه زي كده ، كمان هي أمي سابت الجواب تحت مخدتي ده من قد ايه ؟

- اسأل نفسك .. هو مين بيروق الاوضه هنا ؟
ماما أو ندي


يسمعا طرقات علي الباب و تدخل ندي لتدعوهم للغداء و تخرج في صمت بعد أن أحمرت وجنتيها حين التقت عيناها بعين سعد .

- مش كنا جيبنا سيره عشره جنيه
- و انت كنت هتعمل ايه بالعشره جنيه يعني ، اكيد هتجيب أكل و ادي الاكل جه يلا قوم .


............................................................................................................


 يجلس الفتي ذو العينين الفاتحتين في كرسي بجانب سرير نبيله "الأم" مرتدياً معطف الطبيب و ينظر لها شذراً 


- انتِ أزاي طاوعك قلبك تعملي كده في أبنك ، ده لو حد غريب مكنتيش هتتعاملي بالقسوة دي ، و ازاي قدرتي تتعايشي مع بابا و هو ناكر شئ لما اشتركت انا معاه في نكرانه نكرني انا . بجد مش هسامحك

نزع المعطف و ألقاه علي الكرسي الذي كان يجلس عليه و خرج من الغرفه في هدوء كظيم كالذي يسبق العاصفه و لم تمر لحظات  وأرتفع صوت الجهاز الموصل بنبيله في اشاره تحذيريه لتناقص دقات القلب بشكل متدهور و سريع اسرع من استجابه الاطباء و جريهم نحو الغرفه بجهاز الانعاش الكهربائي حتي اصبح الصوت صفاره متواصله لا تدل سوي علي النهاية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق