( 5 )
ضحك بصوته
المبحوح قليلاً و قال هو يعطني لكمه خفيفه في كتفي
-
هو انت ؟ ... يا شيخ
خضتني .. انا قلت حرامي
نظرت لسعد
غير مصدق عيني ، أنه لم يأتي في أي من جنازتين والدته فمتي حضر ؟
- انت جيت امتي يا سعد ؟
- النهارده الصبح
- و متصلتش بيا ليه
- كنت هتصل بس كنت تعبان قوي ، وصلت نمت علي طول و صحيت علي صوت
كركبتك، كنت بتعمل ايه ؟
- هحكيلك علي كل حاجه بس قولي الأول .. انت ازاي متجيش جنازه
مامتك ؟
- مهي ظروف البلد وقفت الطيران قال ايه اضراب فاتحبست ترانزيت
يومين في بلد معرفش اهلها بيتكلموا ازاي لغايه ما اتفك الحصار ؟
- يومين ؟ امك ميته بقالها فتره
- و هو حد فيكم فكر يبعتلي يقولي ، ده انا بتصل بيها زي عادتي كل
اسبوع لقيتها مبتردش و معرفش لأبويا رقم و دخت عقبال ما وصلت لناديه و نهي و
الاتنين كانوا زيي مهي العيله حبلها اتفرط خلاص بس المهم اني خدت رقم باباك منهم و
اتصلت بيه فندي اختك هي اللي حكيتلي كل حاجه و بصراحه اتصدمت .. انا كنت عارف ان
امي مكتأبه ووحيده و كنت بحاول اخفف عنها بتليفوني الاسبوعي بس متخيلتش ابدا ان
الموضوع ممكن يوصل معاها
للأنتحار .
- مش عارف يا سعد ... في حاجات مش تمام في الموضوع ده
- لأ براحه عليا ... بص تعالي نعمل شاي و نتكلم و تحكيلي الموضوع
من الأول و تفهمني
- يبقي
تيجي عندنا و علشان نعرف نتكلم كويس بعيد عن حفرة الذكريات المتربة دي
............................................................................................................
تجلس ندي بالقرب من والدتها ثم تقترب
بشده من أذنها تهمس في اذنها
- ماما أحمد عمال
بيلف و انا مش قادره اسكت اكتر من كده ، اللي مسكتني اني خايفه من رد فعله ، مش
هيسامح بابا أبدا .
يدخل عادل من الباب و ينظر لأخته بعيون
متسائلة
- أنتِ بجد مصدقه
أنها بتسمعنا يا ندي ؟
تعتدل ندي و تنظر لأخيها الصغير بحنان
- اه اكيد .. بكره
لما تصحي هتلاقيها بتحكيلنا كل اللي قولناه
- بجد .. طيب يا
ماما سعد رجع و أخد سريري .. هو مش عندُه سرير في بيته ؟
- عيب يا عادل ،
اسمه اونكل عادل ده قد أحمد
- مهو انا زعلان
كمان من ابيه احمد
- ليه يا عادل ؟
ينظر لأمه الراقده و تدمع عينه فتأخذه
ندي في حضنها
- لأ يا عادل ..
ماما تعبت علشان ربنا كتب كده و محدش سبب في ده .. ادعيلها بس تفوق بسرعه
- مهو لو كان موجود
هو ولا بابا كان لحقها
- و يسيبوا عمتو
يعني ؟.
- مهي كانت ماتت
بقي .. انا كنت بخاف منها اصلا
- ادعي لربنا يا
عادل يخفف ماما و يرحم عمتو و متكلمش تاني كده
- حاضر
............................................................................................................
- الواد ابو عيون زُرق
ده هيجنني ... ازاي يبقي في صوره قديمه ليه و هو صغير مع أمي و أمك و أختي و
منعرفش عنه حاجه ... انا مكنتش هعرفه لولا عنيه المميزين دي
- سيبك منه .. انت قلت كان في ورقه مع الصوره ، فينها
- انت جدع .. انا كنت نسيتها اصلا
- فالح
- انا معايا ورق كتير من عندكم في البيت كمان
- ده انت قلّبتنا بقي
- انا مخدتش غير الورق يا سعد علشان افهم امك ماتت ازاي
- خلاص متزعلش كده انا كنت بهرج معاك ، هات الورقه اللي كانت مع
الصورة الاول و بعدين نشوف الباقي
يعبث أحمد
في جيبه ثم يخرج ورقه بيضاء مطويه عده مرات و يفتحها برفق فيخطفها سعد و يفتحها
بسرعه و يقرأ بصوت عال غير مبال بأعتراض أحمد
- صغيري .. كم تمنيت أن اصارحك و لكنك لطالما كنت بعيد و منزوي
تبكي حظك السئ و الذي لم يكن في يدينا شئ لتغييره فمفتاحك معك و عليك أن تجده
بذاتك ، و حين تجده عليك أن تعلم أنك
مثلنا و لكن لسنا كلنا كذلك و هناك منا من ينكر ما ستجده او يحاربه او لا يدرك كيف
يتعامل معه و هناك من ليس منا سيحسدك عما لديك
وسيبحث دائماً عن وسيله لأقناعك أنك ملعون و سيقلب حياتك جحيم أزرق فأنتبه
. و قد تركت لك ملاكاً مثلك و لكن واسع الأفق ليدلك عما تبحث عنه و لكن لن تعرفه
إلا حين تجد مفتاحك ، فأحذر يا صغيري ... أمك نبيلة .
-منزوي و مفتاح و جحيم ؟
- لأ و في ملاك كمان شوف الهنا
- بطل تريقه بس ، بزمتك أنت فهمت حاجه ؟
- اه فهمت ، أمك بتقولك أعمل نسخه علي مفتاح البيت
- يا شيخ أتلهي ... من أمتي أمي بتمضي بأسمها
- و أنت كنت بتقرا الجوابات اللي هي بتبعتها لحد علشان تعرف هي
بتمضي بأيه ؟
- صح .. بس هي لما بيبقي في حد جايب جواب و لا أي حاجه كانت
بتخليني أنا او اختي اللي نستلم و نمضي
- طيب قوم دور علي اي جوابات تانيه ليها لأي حد
- أنا قلبت الشقه و مقابلنيش حاجه زي كده ، كمان هي أمي سابت
الجواب تحت مخدتي ده من قد ايه ؟
- اسأل
نفسك .. هو مين بيروق الاوضه هنا ؟
- ماما أو ندي
يسمعا طرقات
علي الباب و تدخل ندي لتدعوهم للغداء و تخرج في صمت بعد أن أحمرت وجنتيها حين
التقت عيناها بعين سعد .
- مش كنا جيبنا سيره عشره جنيه
- و انت كنت هتعمل ايه بالعشره جنيه يعني ، اكيد هتجيب أكل و ادي
الاكل جه يلا قوم .
............................................................................................................
يجلس الفتي ذو العينين الفاتحتين
في كرسي بجانب سرير نبيله "الأم" مرتدياً معطف الطبيب و ينظر لها شذراً
- انتِ أزاي طاوعك قلبك تعملي كده في أبنك ، ده لو حد غريب
مكنتيش هتتعاملي بالقسوة دي ، و ازاي قدرتي تتعايشي مع بابا و هو ناكر شئ لما
اشتركت انا معاه في نكرانه نكرني انا . بجد مش هسامحك
نزع المعطف
و ألقاه علي الكرسي الذي كان يجلس عليه و خرج من الغرفه في هدوء كظيم كالذي يسبق
العاصفه و لم تمر لحظات وأرتفع صوت الجهاز
الموصل بنبيله في اشاره تحذيريه لتناقص دقات القلب بشكل متدهور و سريع اسرع من
استجابه الاطباء و جريهم نحو الغرفه بجهاز الانعاش الكهربائي حتي اصبح الصوت صفاره
متواصله لا تدل سوي علي النهاية