الخميس، 10 أكتوبر 2013

رواية اللعنة (3)






    اسبوع اخر مر ، و بقيت امي علي حالها ، و بقي ابي في صمته ، و اصبح بيتنا كبيت الأموات ، و انا كما كنت قديماً استيقظ ظهراً و اهرب من البيت يومياً حتي بعد الواحده صباحاً فأعود و هم نائمين . لا استغل صمت ابي للأستمرار في اسلوب حياتي المرفوض منه و لكن ما هي البدائل المتاحه و الوضع صار اسوء الأن بغياب أمي و عمتي ملاذي في الحياه .
    

     كنت ازور امي من وقت للأخر فأقابل اخوتي الذان لا اشاهدهم في البيت ، اخي ينظر لي بغضب و كأنني السبب فما آل اليه بيتنا ، و أختي عيناها فيها صمت حزين لم أجرؤ أبداً علي كسره خاصه مؤخراً ، اما أبي فلا اقابله أبداً و لحاله الصمت التي اصبحنا عليها لم أسأل عنه أخوتي . فقط استمع الي صوت انفاسه أثناء النوم في بعض الليال التي اعود فيها و انا مشتاق لرؤيته . وحده و فراغ اشد يحيط بي – ومؤكد أخوتي كذلك – الأن و لكني في أوهن حالاتي خاصه بدون صديق او شخص احكي معه عن اي شئ او افكر معه بصوت عال .


      لم أعد اجلس مع اصحابي منذ اليوم الذي تلي يوم العزاء ، فقد سألتهم جميعاً حين التقيتهم علي المقهي مساءاً عن الفتي ذو العيون الفاتحه فلم يفدني أحد ، و حين حكيت لهم عما حدث و أفكاري وجدت في عيونهم نظرات شفقه جرحتني ، فقررت الا اجلس معهم لفتره حتي اجمع شتات نفسي . جلست لثلاث ايام متتاليه بعدها في الشارع في مكان غير واضح لعلي أجد هذا الفتي الذي قد يعود قاصدني مجدداً رغم تجاهلي له في المره السابقه ، و كان مكاني هذا ليحجبني عن عيون ابي او اخوتي اذا نزلوا في اي وقت من البيت ، و لكن لم يحجبني عن باقي الجيران الذي اقسم بعضهم علي ضياع عقلي بعد مرض امي و موت عمتي و العزاء المتأخر جداً مع انعزال ابي و صمته و امتناعه حتي علي الرد علي اي سلام يوجه له من اي من جيراننا .


      قرأت الورقه مئات المرات فلم أصل لشئ ثم جائت لي فكرة فلم أتردد ، ذهبت الي خطاط لعله يقول لي اي شئ مثال نوع الحبر يدل علي كذا او ان الخط يدل علي شئ من التخبط او انه خط أنثي او اي مما نسمع عنه في افلام الجاسوسيه فنظر لي بدهشه و قال لي انها مجرد وريقه كتب فيها بسرعه بقلم جاف احمر لك الجمله و لا يوجد فيها شئ مميز او مريب ، فزادني أحباطاً .


      مؤخراً لاحظت تأخر ذهاب اخوتي لأمي فلم يعودا يذهبوا من الصباح الباكر بل تحرص اختي علي تنظيف البيت و إفطار ابي و اخي ووضع بعض الاكل لي في الثلاجه ثم تحضر طعام الغداء وتتركه في المطبخ بحيث ان جعت أأكل منه بشكل مباشر و هم في المستشفي، ثم و هما عائدان من المستشفي يقف الأمر علي تسخينه فقط و ليس إعداده من البدايه .

فأستغللت انا هذا ولم اعد للبيت و بقيت في الشارع وحدي في المقهي الجديد الغريب الذي اعتدته للهروب من أصدقائي ، ثم ذهبت لأمي مع بدايه موعد الزيارة و رغم عني حكيت لها كل ما حدث وأنفعلت ووضعت رأسي علي صدرها و انا اجهش بالبكاء وظللت هكذا لفتره حتي هدأت تماما ثم بدأت أنصت فسمعت صوت نبضاتها بداخلها
و ليس في هذا الجهاز السقيم ذو الصافره المرعبه فشكرت الله علي انها مازالت علي قيد الحياه رغم الغيبوبه لك و انه مازال هناك أمل في استيقاظها .

رفعت رأسي و نظرت نحوها و بدأت انتبه لما لم الاحظه من قبل ، وجودها علي تلك الاجهزه التي تغذي جسدها أجبارياً أعاد التورد الي وجنتيها و الحيويه لوجهها الشاحب مؤخراً في اخر شهرين قبل الحادثه . اتذكر اني سألتها مره في تلك الفتره لم هي شاحبه هكذا فقالت : ارهاق البيت .. لا تهتم .
 ليتني أهتممت يا امي لربما كنتِ معي الأن . كم أشتاقك يا أمي ، لم أعرف قيمتك لي
و لعائلتنا الا بعد هذا الغياب القاسي، اسف . ثم أقتربت من أذنها و قلت ضاحكاً : ربما تأخرت و لكني أكتشفت سرك انتِ و عمتي الله يرحمها يا أمي .

و لدهشتي ارتفع صوت جهاز النبض بشكل متسارع أخافني فركضت خارج الغرفه لأنادي أي طبيب حتي جاء أحدهم معي بسرعه و أعطي امي مهدء فعاد صوت الجهاز يدق برتابه كما السابق فسألت الطبيب بقلق عما حدث ، فقال اضطراب في نبضات القلب و لكن الحمد لله تم تداركه ثم خرج مبتسماً قائلاً أحسنت عملاً و تركني وحدي في الغرفه مع أمي الممدده أمامي في غيبوبه تخفي أكثر مما تعلن .

جلست في زاويه الغرفه ارمق امي في صمت ، هل تسمعني ؟ و هل بعد المهدئ اذا كملت كلامي ستسمعني مجدداً ؟ و هل التوتر هذا ناتج عما قلت اما مجرد مصادفه ؟ نظرت الي ساعه يدي ووجدت ان الوقت مر بسرعه و كاد اخوتي ان يأتوا لذا رحلت في عجل و أنا أنوي ان اكتشف ما حدث مهما تكلف الأمر .


..........................................




نظرت في ساعتي بعد غادرت المستشفي ، انها ال 12 ظهراً ، مؤكد أخوتي في طريقهم للمستشفي حالاً و أبي حمل صمته معه لعمله الذي لا ادري كيف هم صابرين عليه بوضعه الابكم هذا . وصلت للمنزل في سرعه ، كم هو رائع و هو فارغ صباحاً ، يمكنني افعل كل ما ارغب الأن ، أشعر بالجوع و لكنني سأجله حتي أنهي مهمتي .

توجهت لمكتبه البيت و تفحصت كتبها بحثاً عن اي كتاب عن موضوع غير مألوف فلم أجد سوي الكتب الدينيه و كتب مدرسه اخي و كتب كليه أختي و بعض الروايات القديمه التي كانت تقرأها امي أمامي و تقرأها أختي الأن ، و في الضلفه السفليه مجموعات عليها غبار من شرائط الفيديو و الكاسيت الذي لم يعد يستخدمها أحد الأن و لكنها تمثل التراث و التاريخ لوالداي فلم يتخليا عنها أبداً .

خرجت من المكتبه و الغبار يملأ كفاي فغسلتهم لأن المرحله الثانيه تحتاج دقه و لا يجب أن يبقي فيها أي أثر . دخلت غرفه ابواي و بحثت في كل ادراجها وضلفها وقلبت الصناديق التي تحت السرير و التي فوق الدولاب و خرجت من تلك العمليه خالي الوفاض لا أحمل سوي أبتسامه واسعه بعد ان شاهدت صور العائله منذ طفولتنا حتي الأن وتذكرت الكثير من الذكريات التي اشعرتني ان حياتي لم تكن فارغه كما كنت أظن.

بعد فشل المرحله الأولي و الثانيه من عمليه البحث فهناك مرحله ثالثه و لكنها ليست هنا رغم ان لدخولها يجب ان ابحث في البدايه هنا .

دخلت لغرفتي ركضاً و قلبت ادراجي تحت السرير و التي تحتوي اسراري من ايام الأعداديه و لم افتحها منذ سنوات لبقائي في الخارج اكثر مما في غرفتي ، كنت أبحث عن شئ صغير لن يظهر بسرعه فقلبت الدرجين علي الأرض و بدأت في اعاده محتوياتهم بسرعه و انا ادرك ان ما ابحث عنه سألتقطه و الاحظه هكذا اسرع و قد كان . علبه سوداء قطيفه معطره حتي الأن برائحه الريحان كما هي رائحه كفي عمتي عاشقه هذا النبات المعطر شرفتها دائماً ، فتحتها و أخرجت منها مفتاح شقتها الذي اعطته لي من سنين للجوء لبيتها و دخوله في اي وقت حتي لو كانت مسافره او نزلت لتشتري اي شئ ، لا أظن زوجها يقيم فيها مجدداً او اجرها بهذه السرعه .
وضعت المفتاح في جيبي و تركت باقي محتويات الادراج علي الارض و لكن قبل ان اترك الغرفه وجدت طرف ورقه احمر يبرز من تحت وسادتي فسحبته وجدته ظرف احمر متوسط الحجم بداخله ورقه و صورة قديمه تجمع عمتي بأمي و أختي و فتي صغير ملون العينين رأيت شبيهه الكبير في العزاء و مكتوب علي ظهرها "سري للغايه" .

اما الورقه فبها كلام كثير بالخط الاحمر و قبل ان اقرأ سمعت صوت الباب يغلق بشده رغم اني لم اسمعه يفتح قبلها ، ثم علا صوت أنكسار زجاج بشكل مدوي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق