الاثنين، 30 ديسمبر 2013

الإعلام السطحي الموازي


الإعلام السطحي الموازي




تلفازنا المحبوب المنفر، قنواتنا الأرضية براقة الزي غالية المحتوى ضعيفة الأداء، اليوم فقط أوجه لكم الشكر لعدم انضمامكم لصف الإعلام السطحي الموازي وإن لم تمتازوا بالحيادية أو الاحتراف في أنحاء مختلفة من عملكم.

منذ عدة أيام حضرت احتفال بافتتاح مهرجان نقابة الإنشاد الديني الأول ، ما خرجت به من هذا الحدث أن ما يقيم مصر رغم كل ما تواجه هو استمرار خلاياها "وهي نحن" المختلفة بالاجتهاد بدأب ونجاح دون أن نهتم بهل الإعلام يهتم بتلك الأنشطة الممارسة أم لا، وهل يعرف الجميع عنها شيئاً أم لا يدرون بوجودها ولا يهتمون سوى بالسينما والكرة والموضة بأهلهم. وعلى النقيض أعلام الفضائيات بغزارة قنواته وتنوعها لم يسع في أن يغطي تلك المجالات رغم قدرته على ذلك فقد قرر إشباع رغبات مشاهديه بشكل أكبر بالتوسع في 3 مجالات ليس إلا والتعمق أكثر في  تفاصيل لهم قد لا تهم المشاهد ومع الوقت تصبح هي أولوياته رغم قدرته على التغيير بشكل جذري عميق في عقلية المتلقى وتوسيع مداركه لكل الفنون والعلوم والمجالات. فضل عن ذلك تخصيص قنوات للكرة وللسياسة والفن بشقين منه فقط و هم السينما والتليفزيون بدلاً من جميع الفنون، جميع الرياضيات، شتى العلوم . وجعل المتاح لهم مجرد فقرات صغيرة .


أنهى كلامي بطلبي منك أن تشاهد باسم يوسف في تلك الحلقة من برنامجه لتدرك قصدي .


السبت، 28 ديسمبر 2013

هروب



فوق السفينه
تركت المدينه
بآثامها
و إثمي بها
فأسمي بها
مشوه
مشوب 
بعشرات الندبات
ومئات الذكريات
الباقيه
دانيه
أو قصيه
و عصيه
علي النسيان
و طي الزمان


رحيل




أرحل كعادتي، سئمت الرحيل ولكن الطبيعة تنتصر دائماً، كقطار أنا دأبه السير و وقوفه يعني موته ونهاية جدوى وجوده، لذا دائماً ما أرحل، لأسباب مختلفة أرحل، أخلف كل الأماكن، كل الأشخاص أرحل دون الجميع، بقلب مرهق وعقل مثقل وعزم صريع.

الجميع يلومون، الجميع يحبون، الجميع متماثلون راغبون في البقاء، الاستمرار، الاستقرار وأنا الملولة، الطموحة، المرهِقة والمرهَقة كذلك من نفسها. أشخاص غاضبون غيرهم لائمون وغيرهم ناقمون نادمون أو مجروحون وما زلت أنا أسير، ارحل، لمحطة جديدة وتفاصيل جديدة وأشخاص جدد، تحمل ذكرياتي بقايا من كل مكان، ومفكرتي أشخاص قد يتذكروني كذكرى خفيفة عابرة أو إعصار دمر الكثير ثم مر.

هل أبالي ؟ نعم أبالي و لكني لا أتراجع وكالعادة أكمل مسيرتي. لا تخاف حبيبي رحيلي فأنا أرحل إليك، أنا لا أهرب منهم ولكني استكين فيك فلا تقارن فمن يقارن هو الملام.

في الشتاء يتجمد حبري وتتعثر كلماتي في خطوط كفي فتتبعثر حروفها على أناملي ويصمت الكون ففي هذا الوقت فقط أنزع رداء رحيلي لأسكن وأستريح فيك.


الخميس، 26 ديسمبر 2013

25 حبه





- انتي عارفه اني هنا دلوقتي علشانك
- لاحظت
- و بقالي شهر باجي هنا علشان اشوفك بس انتي منتبهتيش ليا خالص
- لأ أنتبهت
- ازاي ؟
- نظراتك فضحت أهتمامك
- ليه بتقعدي لوحدك ؟
- ملكش دعوه
- بعد كل ده  مش عايزه تكلمي
- طيب ... هي قصه طويله ملخصها اني بهرب هنا من الناس وبدور علي حل لمشكلتي 
- وهي ؟

أتي النادل ووضع أكواب العصير التي تطفو علي سطحها مكعبات الثلج الصغيرة فطلت من عينيها أشباح سوداء شديده الطول تأملتنا بسخريه ثم عادت لعينيها و توارت مجدداً فتنهدت الفتاه بعمق تنهيده حارة أذابت الثلج في كوبها ففاض و لكنها لم تعبأ لذلك . 
كانت بيضاء شديدة النحول و الشحوب ، كنت أظن هذا البياض الشاهق مساحيق تجميل و لكني حين جلست معها اليوم عن قرب وجدت ان وجهها يخلو من اي مساحيق ، بل يخلو من الدمويه نفسها ان رغبت توضيح أكثر ، كممثلي أدوار مصاصين الدماء . شعرها اسود قصير يتراقص بحريه علي جانب وجهها ، وخلال الشهر الذي جلست اتابعها فيه رأيته في عده اشكال فقد كانت تعقصه حينا و تصففه احياناً و احيانا تتركه مبعثر و أعدت هذا الأمر وقتها لنفسيتها التي تعطيها بال رائق لتصفيفه او لا فهي بشكل واضح لا تعباً لنظرات أحد و تظل تتأمل النيل من السادسه حتي التاسعه في صمت بلا اي شعور بالملل .

أرتشفت من كوبها الممتلئ لنهايته بالماصه ليصبح العصير في مستوي معتدل ثم أحاطت الكوب بمنشفه المنضده و جففته و احتضنته بصعوبه بعدها بكفها الأيمن لصغر حجم يديها ثم مدت كفها الايسر و التقطت يدي ووضعتها علي عنقها بشكل أدهشني و أحرجني في 
ذات الوقت و قالت بجديه .

- فك العقد عن رقبتي

لأول مره أنتبه لتلك القلاده رغم انها ترتديها يومياً ، كنت اراها من مكاني البعيد من قبل كحبات لؤلؤيه الشكل بدرجه لون بيضاء داكنه تحيط بعنقها في دلال و لكن اليوم وأنا بجانبها رأيتها بشكل أوضح أفزعني ، تلك الحبات كانت جماجم صغيرة تصطف بلا ترتيب حول عنقها ، وكانت القلاده ضيقه بحيث انها يجب ان يكون لها طرف تفك منه لذا بتردد قمت ووقفت خلفها لأبحث عن هذا الطرف فلم أجده بنظري و ترددت أكثر ان المس رقبتها في اول مره اجلس معها فيها و لكن انحناءه رأسها للأمام لتسهيل المهمه لي دفعني لأن أكمل ما قمت لأجله فلمست القلاده أولاً و لكن أفزعني رد الفعل و جعلني أقفز للخلف بشكل ملف للأنظار . لقد أنكمشت القلاده نحو عنقها و كأنها ترفض ان يقترب منها أحد ، اقتربت بتردد أكثر و مسكت القلادة و لكن سعان ما سحبتها مجدداً حين وجدت ان فك كل جمجمه منهم بدأ يتحرك للأعلي و للأسفل و كأنها تعض شئ أو تهدد بعض أنامل من يقترب منها فوقفت أمامها منذهلاً فاغراً فاهي فعدلت الفتاه رأسها و مدت يدها مسكت زراعي و اعادتني للجلوس امامها و كنت أطيعها مسلوب الأراده كالطفل الصغير و عادت تشرب عصيرها تنتظرني حتي أفيق من صدمتي و قد أخذت دقائق حتي تمكنت من العوده لوعيي و ادراكي و تمكنت من صف كلمات في جمله ذات معني في رأسي لكي انطق بها فسبقتني هي و لغت جدوي تلك الجمله بكلماتها .

- ليه حكيتلك و انت اول مره تعرفني ، اصرارك هو اللي خلاني اقولك الحقيقه علشان أبعدك ، العقد ده جبته من سنين و كان كله كور مدوره زي لؤلؤ عادي و اللي ربطها استك متين سهل تشده و تشيل العقد ، عقد رخيص لفت نظري فجيبته مش اكتر بس من وقتها كل ما يموت قريب ليا يتغير شكل كوره منهم بس من غير ما ملامحها تبان و بعدين لاحظت ان الموت زاد قوي في حياتي و حياه المقربين ليا و الكور دي بتتغير واحده ورا التانيه ، خفت اه بس فضولي كان اقوي مني و اخر مره لبستها فيها والدتي ماتت و لقيت العقد قفش علي رقبتي و مش راضي يتخلع او يسمحلي انا او اي حد يقرب منه بعد ما حباته خدت شكل جماجم واضحه ، جربت كل حاجه و فشلت . العقد ده اشتريته من واحده كانت عدت عليا و انا هنا اول مره اجي فيها للمكان ده ، و من ساعتها و انا بدور عليها هنا او بدور علي جرأه تخليني اخلص من وجودي في النيل و انقذ الناس .

- تنقذيهم من ايه ؟
- من الدخول في حياتي 
- ليه ؟
- علشان ميخسروش اهاليهم .
- بس ...

و قبل ان اكمل جملتي رن هاتف المحمول ووجدت اخي يبلغني بوفاه احد اقاربنا مع ابتسامه جانبيه ساخره صغيره باهته كملامحها رغم انها علي مسافه مني تمنعها من سماع ما قاله اخي و لم ارد عليه بكلمات، ناهيك ان المكان عام و الاصوات حولنا تمنع ذلك تلقائياً.

- الحق أهرب بسرعه

فقمت بلا اي كلمات لست أدري أنادماً علي الشهر المهدر من حياتي علي امر مستحيل ام علي وفاه قريبي ام عليها . نقدت النادل تكلفه مشروباتنا و بعد ان سار نظرت لها نظره أخيره فوجدت رأسها محنيه للأمام وشعرها يغطي ملامحها ولكن قطرات سقطت وشت بأنها دموع و لكن بعد ثوان أعتدل رأسها و عاد لتأمل النيل في صمت .



يا أمي


هرمت يا أمي رغما عني
و أنا لم اتجاوز الثلاثين
ذبلت زهوري فجأه
فهل يأتي الربيع في تشرين
لماذا تمتصنا الهموم
والفرح دوماً قصير حزين
الموت اصبح بيننا دائراً
يطعننا بقسوه ليسرق الثمين 
فنصبح شتاتاً بالارجاء مبعثره
تستجدي الشفقه بشكل مهين
ادعي لي يا امي في صلواتك
فربي وحده هو المعين

الاثنين، 16 ديسمبر 2013

رواية اللعنة (7)








لم يلبث  انقطاع الكهرباء ثوان  حتى عمل بشكل تلقائي مولد الطاقة الاحتياطي، نظر أحمد حوله و جد أن  كل شيء يسير بتلقائية كأن  لا شيء قد حدث و لكن أخته اختفت و لن يسأل عن مكان  الحمام النسائي أو يتصل بها بعد ثوان من رحيلها . فأوقف أول ممرضة مرت بقربه و سألها عن أضرار  الآن قطاع المفاجئ فطمأنته و قالت لا شيء فالمولدات الاحتياطية كثيرة هنا لتكرار  انقطاع الكهرباء مؤخراً و  أن  جميع الأجهزة بالمستشفى تم تزويدها ببطاريات خارجية قابلة للشحن تعمل لمدة 5 دقائق بعد  أنقطاع الكهرباء لتفادي أية أضرار قد تنتج عن تاخر عمل المولدات الكهربائية فابتسم أحمد و عاد للمنضدة و قد نسى أمر ندى فاستغرب سعد مودتة المبتسمة بعد رحيله المقلق فجلس أحمد موجهاً كلامة لعادل :



-           أجيبلك آيس كريم يا عادل؟



 انتبه عادل من شروده الطفولي على كلمة آيس كريم التي لحق بها اسمه  فقفز فرحاً موافقاً فاخرج أحمد 5 جنيهات و أعطاها له و أشار إلى طابور في مواجهتة فانطلق عادل فرحاً و أحمد مازال مبتسما .



-         إيه الكرم دا يا أحمد والتغيير المفاجيء، ماشي سرحان راجع فرحان  .. خير ؟

-         لسة فيه أمل يا سعد.

-         فيه الممرضة الحلوة اللي كنت و اقف معاها؟

-         قصدك إيه ؟

-         مش عليا يا أحمد .. دا  انت طرت أول ما شوفتها و لولا  أن  النور قطع كنت خبطتها.

-          انت فهمت غلط

-         طيب فهمنى  انت الصح



حكي أحمد ما قالت له الممرضة و هو فرح و سعد مبتسم بلؤم ساخر





-           يا راجل ..دا  أنا افتكرتك جبت رقمها، تقولي  أن  شباب مصر مبدعين في حل المشاكل بس عايزين فرصة.. إيه الجديد اللي جبته ما هودا معروف من زمان .

-            أنافرحان  علشان  لقيت حد هنا إداهم الفرصة دي.





....................................



وقفت ندى مع الفتى ذي العيون الزرقاء في الطابق الذي به غرفة أمها بعيداً عن باب الغرفة بجانب الدرج دامعة العينين تقول بتأثر له و هو مهموم



-           يا حسن ما ينفعش دلوقتي

-           لازم أصلح اللى عملته

-           بابا لسة جوة

-           مش قادر استني أكتر

-            انت كدا ها تأذيها

-           لأ و  بطلي خوف

-           ماما حاسة بينا و  لو حصل أي شد بينك و بين بابا جنبها ها تتعبها أكتر و هي مش ناقصة

-           خلاص قوليله يخرج من الأوضة

-           إزاي يعني

-           خلاص أدخل  أنا

-           لأ


لفت خلافهم رغم  انخفاض صوته  انتباه المحيطين و  لكن لم يقترب منهم أحد رغم ارتفاع همساتهم بشأنهم، كانت ندى ترى باب غرفة و الدتها من بعيد فلاحظت فتح الباب فدفعت حسن للدرج حاثة إياه على الصعود فرضخ على غير رغبة فلم يره أبوها و هو متجه نحو الدرج و  نحوها و لاحظ اضطرابها فسألها عن السبب فسألته هي عن حالة و الدتها بعد  انقطاع الكهرباء فطم أنها  و نزل نحو الكافتيريا فتنفست الصعداء ثم  انتفضت مذعورة حين و ضع حسن يده على كتفها فابتسم لها بإرهاق و مسك يدها و جرها خلفه بسرعة متوسطة نحو غرفة أمها ثم فتح الباب لتجد أمها و اعية تحدق بها فتركت يده و  ركضت نحوها بعيون دامعة تحضنها و تقبل و جهها و يدها و هم تتمتم بكلمات الحمد و  بلفظ ماما بينما و قف هو يحدق بهم فانتظرت الأم حتى  انتهت موجة مشاعر ابنتها ثم أشارت لحسن بالاقتراب فاقترب في تردد محنى الرأس حتى و صل بجانبها فابتسمت و  في حركة سريعة مباغتة ، مسكت أذنه و جذبتها بعنف و هي تعنفه بمزاح



-           ينفع كدا يا حسن، كنت ها تموتني علشان  غضبان



فقال و هو يتأوه متأسفاً دون  أن  ينتبه للهجتها المازحة



-           والله ما قصدت يا ماما،  أناكنت غضبان آه بس ما  انتبهتش خالص للجهاز



تركت أذنه و احتضنته  بحنان هو يكرر أسفه بشكل تلقائي "آسف يا ماما سامحيني" و لم ينتبها لدخول أحمد الذي و قف أمامهم مذهولاً لدقيقة و قد أخرست المفاجأة ندى.

  
....................................



جلس كل من سعد و عادل و  أبوه على طاولة و احدة صامتين، و  لكن التوتر كان  يعصف بسعد لنظرات عمه النارية التي يحدقه بها من و قت لآخر و  لم يستطع  أن  يكسر هذا الجو مزاح سعد مع عادل أو محاولته الوحيدة للمزاح مع عمه أو كلمات التخفيف و التعزية .



طلب عادل بصوت عال الدخول للحمام فقام سعد و  لكن أوقفته إحدى الممرضات التي أوقفها طلب عادل أثناء مرورها بجانبهم فعرضت بابتسامة و اسعة  أن  تأخذه لهناك .



إشتد الموقف توتراً برحيل عادل ثم كسر رؤوف "الأب" هذا الصمت بأسئلة متتابعة لسعد لم يستطع  أن  يجيبها كلها لأن  صمته للتفكير كان  كالدعوة لعمه لطرح سؤال آخر دون انتظار إجابة السؤال السابق



-            انت إيه اللي أخرك على عزا أمك ؟

-           الطيران كان  و اقف و ..

-            انت آخر مرة كلمتها إمتى ؟

-           قبل انتحـ ..  موتها بأسبوع .

-           إخواتك عرفوا؟

-           لأ لسة .

-           ما قولتلهمش ليه ؟

-           أصل ..

-            انت مصدق  أنها  انتحرت؟

-           مش عارف .

-           مش عارف إذا كانت أمك تعملها و لّا لأ ؟

-           ........ 
-           هي قالتلك حاجة قبل ما تموت ؟

-           حاجة زي إيه؟

-           إيه آخر حاجة قالتها لك؟



صاح سعد و  هو ينتفض من كرسيه :



كفايه يا عمي ... موت أمي و خاصة بالشكل دا تاعبني أكتر منك مش معنى اني ساكت  و  بحاول اخفف عنكم علشان  ظروف طنط نبيلة اني مش حاسس بالحزن و  الدهشة من اللي حصل .. و  للعلم يا عمي أمي كانت بتشكي منك كتير في تليفوناتها الأخيرة.. إبقي ادعي  أنها  تسامحك و  انت بتصلي ؟



و ترك سعد المستشفى غاضباً دون  أن  يخبر أحداً بوجهته.



....................................



خرج عادل من الحمام فوجد الممرضة ما زالت في انتظاره فابتسم لها ببراءة و سألها عن الطريق نحو الكافيتريا فابتسمت و أشارت له نحو الاتجاة الأيمن و أصرت أن تمسك يده و تعيده بنفسها فرضخ مبتسماً و  سار معها، و لم يسيرا سوى خطوات قليلة في الممر الفارغ حتى ظهر فتى من الجهة المقابلة و  سار باتجاههما حتى و صل إليهما فكمم فم عادل بشكل مباغت و  حمله بقوة و  عادا معاً للحمام و الممرضة تراقب الطريق و  داخل الحمام الفارغ رش هذا الفتى من بخاخ في و جه عادل الذي استسلم مرغماً لقبضة النوم الإجباري العاتية ثم حمله على ذراعيه الاثنتين كمن يحمل طفله النائم و  خرج من باب جانبي للمستشفى بعيداً عن الكافيتريا و ما لبثت دقائق حتى رحلت الممرضة أيضاً بعد أن  أبدلت ملابسها في الحمام و  و ضعتهم في حقيبة اليد الخاصة بها الممتلئة بشتى  أنواع الأدوية.

....................................



نظر رؤوف "الأب" حولة منتظراً عودة عادل لفترة أقلقته فتوجه لأقرب عامل و سأله عن الحمام و ذهب إليه  فلم يجد الصغير مما زاد من قلقه فتوجه لغرفة زوجتة ليفتحها بسرعة فيصدمه ما رآة و يمنعه من التكلم بل و  يشغله عما أتى مهرولاً لأجله فقد و جد أحمد و  حسن جالسين على الفراش بجانب زوجته التي خرجت من غيبوبتها الطويلة و  ندى تجلس على الكرسي المجاور للفراش. ينتقل بشدة و  سرعة بين مشاعر مختلفة من الغضب و  السعادة و  الحيرة و  أمام هذا التجمد تجمد كل شيء في الغرفة فالكل صامتون ناظرزن له منتظر ينأى رد فعل منه لمدة ثوان مرت كساعات و  لم يخرجهم من هذا سوى عيناه التي أدمعت رغم نظراته الغاضبة فابتسمت زوجته نبيلة بحن أن  مفرط أعاده إلى وعيه فنظر لندى و  تكلم بجدية مصطنعة



-          انت مشوفتيش عادل ؟



فقام الكل مفزوعا فأمرهم بالبحث عنه بالمستشفى و  خرجوا و تركوه و حده مع زوجته فتصلب قليلاً أمامها ثم اندفع نحوها و  احتضنها بشدة و  هي تبادله الهمسات الغير و اضحة لأكثر من عشر دقائق و لم يقاطع ضمتهم سوى دخول أحمد و  سعد لاهثين و  خلفهم ندى باكية و قالوا بأنفاس متقطعة :



-         عادل اختفى من المستشفى كلها.


الأحد، 15 ديسمبر 2013

روايه اللعنة (6)





يجلس أحمد و  أبوه و  ابن عمته حول أمه السابحة في الغيبوبة متجهمين ، بينما تبكي ندى بصمت و هي تحتضن عادل في محاولة يائسة لتخفيض صوت بكائه حتي لا يثور أبوها عليه ، بعد  أن  اخبرهم الطبيب ب استمرار  تدهور حالة الأم بدون أسباب و اضحة و  أن  عليهم التواجد معها بأقصى حد ممكن لاحتمالية  أن  تكون تلك أيامها الاخيرة بالحياة .
و يبدو أن  ما كانت ندى تخشاه لمعرفتها الجيدة بطباع أبيها قد حدث ، فقد  انفجر صارخاً بهم دون  أن  يأبه لكونه في المستشفى .

-           أمكم ما ماتتش لسة علشان العياط دا كله

تفاجأ سعد و عادل بتلك الثورة فنظر سعد مندهشاً لأحمد الذي لم يتأثر إطلاقاً بما حدث ، و  أمتنع عادل عن البكاء راغماً نفسه مع  استمرار  هطول الدمع من عينيه و اضطراب  أن فاسه الذي كان  مسموعا لسرعته و  ثقله مما زاد من غضب الأب فنظر له بنظرة نارية فاخذت ندى اخاها لخارج الغرفة .

نظر الأب نحو الأم ثم دفن رأسه في ذراعها مما أدهش سعد و  أحمد و  ما لبثت ثوان  و  ارتفع صوت بكاءه و  نشيجه بحرقة و  أحمد مستمر في تأمله باندهاش فضغط سعد علي ذراع أحمد و  أشار له نحو الباب فقاما في هدوء و  تركا الغرفة . و  لكنهم لم يجدوا ندى أو عادل مما أقلق سعد فطمأنه أحمد بأنها  مؤكد اخذت عادل لكافتيريا المستشفي لتهدئ من روعه .

صمتا قليلا ثم تكلم أحمد في شرود دون  أن  ينظر لسعد و  كانت نظراته كمن يشاهد أشياء بعيدة .
-            أناأول مرة أشوف بابا كده
-           طبيعي يا ابني ..دا مش غريب
-           لا غريب .. بابا في الفترة الاخيرة قبل موت و الدتك كان  حاد جدا مع ماما ، تقريبا كان  كل كلامهم خناق .
-           اديك قلت .. قبل موت أمي .. مش سهل يا أحمد اخته و  مراتة يروحوا و را بعض كدا من غير ما يهزوا أعصابه .. دا  إن  ما كسرهوش حجم الخسارة.
-           بمناسبة هز الأعصاب ...إيه برود الأعصاب اللي نازل عليك دا و  لا كان  أمك ماتت .
-            انت مش قادر علي أبوك ها تطلعهم عليا  أنا؟ عموما يا سيدي  أناجاي مصر بس علشان  ازور قبرها و  عديت مرحلة  الآن كسار دي من فترة .
-           غريبة
-           قوم نجيب حاجة ناكلها و  نجيب لأبوك كمان .. إحنا داخلين علي المغرب و  ما حدش داق لقمة من الصبح . و  بالمرة نطمن علي اخوك و  أختك .

..............................................................


رفع روؤف "أبو أحمد" رأسه من على ذراع زوجته و أخذ ثوان  ليتمالك نفسه و  مسح و جهه المبتل بذراعه ثم التفت حوله فوجد الغرفة فارغة فتنفس الصعداء ثم قام و  توجه للثلاجة الصغيرة في زاوية الغرفة و  اخذ منها زجاجة مياة معدنية صغيرة و  شربها كلها  ثم ألقاها في القمامة و  عاد لكرسيه مجدداً بعدما حركة قليلاً بحيث يواجه في جلسته زوجتة ثم أغمض عينيه و  بدأ يكلمها بغضب .

-           نبيلة ..  أنا عارف  أنك سامعاني .. مش عارف بس لأ دا  أنا متأكد كمان  . لو كان  حسن هو السبب في اللي  إنتي فيه  أناهاقتله .. قلت لك الواد دا مش ها ييجي منه غير المشاكل و  ما صدقتينيش .

صمت قليلاً ثم بدأ يكلمها بهدوء .

-           ما احنا كنا عايشين مرتاحين ليه فتحتي الأبواب القديمة ؟ صدقتيني دلوقتي لما قلتلك الطريق دا اخرته سودا .. آدي آمال   و لعت و   أنتي كنتي ها تروحي مني بسببها .. عرفتي دلوقتي  أن  الموضوع حب و  خوف عليكي و  على عيالنا مش إنكار وتكبر زي ما بتقولي ؟ أرجوكي كفايه هروب و ارجعيلي .

شرد قليلاً و دون  أن  ينتبه سالت دمعة و حيدة من عينيه فنظر لزوجته بحب .

-            أنا بحبك يا نبيلة و لولاكي كنت حصلت صالح ، و حبيتك أكتر لما احترمتي رغبتي و  بعدنا عن الطريق دا و  اهتمينا بعيلتنا و  خلاص .. آه زعلان  منك لأنك كنتي بتسيبي أحمد عند آمال   كتير بس سعد هو اللي كان  بيخليني ما اتكلمش في الموضوع دا و  اقول الواد لوحده و  اخواته بنات و  ابوه و جوده زي قلته فمافيش مشكلة انه  يبقي مع أحمد ، بس بصراحة  أنافرحت لما سافر و  كنت عارف  أن  أحمد مش هيقعد هناك زي الأول بعدها و  لا آمال   هاتجرؤ تنطق بكلمة ليه علشان ي . حتي بعد ما رجع دلوقتي مطمن و  مش فارق معايا بعد موت آمال  . كدا صالح و  آمال   و أنس ماتوا و  السر مش هيخرج عني و  عنك و  ها يموت مع أنا.

ثم أستدرك و  قال كمن ينفي كلامه و  ينكره .

-           بس أكيد   مش قصدي  أنك تموتي دلوقتي ... ما تفهمينيش غلط . ...  أناعارف  أن  أحمد و  ندى و  عادل من حقهم يعرفوا بس تضمني منين  انهم ما يحصلوش اعمامهم و  يموتوا في الاخر ..  أناعارف  إنك مش راضية عن رأيي دا بس آديكي شفتي  أنس لما و افقك حصل لكوا إيه ... قومي بقي  انتي طولتي أوي و هاقولك جملتك اللي كنتي دايما بتعصبيني بيها .. " إحنا مش زيهم يا روحي " .

....................................

يجلس أحمد و  ندى و  عادل في كافتريا المستشفي بعدما أصر سعد أن  يستريحوا حتي يشتري لهم الطعام بدلاً من العصير الذي أحضرته ندى لنفسها و  لاخيها الصغير قبل حضورهم ، ظل أحمد يرمق عادل و  اخته في صمت و وجد أن  عادل قد توقف عن البكاء و  أن  ندى تمالكت أعصابها و  أصبحا الإثنان مختلفين تماماً عما ك أناعليه منذ قليل في الغرفة ، و  حين لاحظت ندى نظرته المتشككة ابتسمت ابتسامة متكلفة و  قالت في تردد :

-            أناحاسة ان ماما ها تخف قريب قوي .

فابتسم عادل بفرحة و  زادت نظرة أحمد تشككاً ثم قال :
-           يا رب

صمتت ندى و  اخرجت هاتفها النقال و  بدأت تعبث فيه في توتر فقال أحمد بلهجة هادئة

-           هو مين اللي روق أوضتي اخر مرة يا ندى ؟

نظرت له ندى في استغراب من السؤال الذي في غير محله و  أجابت في دهشة
-            أنا.
-           ودا كان  إمتى ؟
-           من 3أيام
-           ما لاحظتيش حاجة غريبة ؟
-           حاجة غريبة زي إيه ؟
-           زي ..

و رن هاتف ندى بشكل مفاجئ أفزعها فانتفضت فزاد شك أحمد أن هناك شيء مريب ، نظرت ندى للشاشة ثم ردت بصوت خافت جداً بعد أن التفت نصف لفة فوق مقعدها و أعطت ظهرها لاخيها .


-                لسة هنا ... لا مينفعش .. طيب .. خلاص حاضر .


وضعت ندى الهاتف في حقيبتها و  ارتشفت اخر رشفة من عصيرها ثم توقفت و  قالت  أنها  ذاهبة للحمام و وصت عادل بألّا يبتعد عن أحمد و  كان  ذلك بالتزامن مع حضور سعد بالطعام فاستغرب  انصرافها ثم جلس بجانب أحمد و  بدأ يفتح أكياس الشطائر بينما أحمد يرمق اخته و  هي تبتعد فنظر لأحمد و  هو يعطي عادل شطيرته سائلاً إياه

-           هو فيه إيه يا أحمد ؟
-           فيه حاجات كتير ماعرفش عنها حاجة .

ثم مسك يد سعد وهو يفض شطيرة اخري و  قام من مقعده .

-           لأ استني ها شوف حاجة قبل الأكل ، خلي عادل معاك و   أناراجعلك تاني .

و قبل أن يتحرك أحمد من مكانه  انقطع التيار الكهربائي عن المستشفي كلها و عم الظلام .