الجمعة، 10 نوفمبر 2017

الرحيل ام الموت




حين سألت بطلة احد قصائد نزار قباني حبيبها ان يرحل للحفاظ علي الحب، وقتها استنكرت الكلمات، كيف في هذا الزمن القاس المزدحم المخادع والشاق فيه إيجاد الحب الحقيقي، ان يسأل حبيب حبيبه الرحيل، كيف يحتمل الفراق وامل العشاق القرب، لم أستسغ الفكرة ولم أتقبلها.

وعلي مر الزمن قابلت ورأيت وعايشت ما انضجني ونزع عني نزق الشباب الذي يؤجج جنون الحب، ووجدت ان احيانا ما يميت القرب الحب، وان الحب وحده لا يقيم البيوت، فهو طفل لا يجيد الا الفرار ممن يقسو عليه حتي لو كان هذا القاس اكثر من يحبه ويخاف عليه ويزجره لمصلحته. طفل لا يجيد سوي اللهو ولا يطلب الا الحنان والرفق في رعايته والا وهن ومات مع الوقت لو لم يجد مفرا متاحا. 

الأحد، 10 سبتمبر 2017

صراع البشر

صراع البشر








     أجلت مشاهدتى لفيلم " أغورا - Agora" الاجنبى لأنى كنت أدرك أن تلك المشاهدة لن تكون للتسلية، نعم هو مسلى ولكنه أيضا محرك للذهن ومحفز للتفكير، وبشكل ما زامن مشاهدتى له رغبتى فى كتابة مقال بذات الفكرة.


     فى البداية لمن لم يشاهد الفيلم، هو معالجة سينمائية لجزء من حياة الفيلسوفة اليونانية هيباتيا فى الاسكندرية، وكنت مؤخرا –لجهلي- قد تعرفت على تلك الشخصية التاريخية بشكل جزئى فى رواية عزازيل للاديب "يوسف زيدان" وتفاعلت معها جدا فى الرواية مما حفزنى لمشاهدة هذا الفيلم وأنا مدركة تماما أنهما لم ولن يتطابقا، وكلها رؤى مختلفة لشخصية أهملها التاريخ رغم أهميتها.



     احداث الفيلم تقع فى فترة بداية إنتشار الدين المسيحى فى مصر التى حوت وقتها اليهود واللادينين وعبدة الالهة اليونانية أو الفرعونية القديمة ... وكانت الحياة – لسخرية القدر- كما هى الأن من ظلم صاحبى السلطة والمال – الصفوة - لابناء الوطن بكافة تنوعهم. أسموهم الغوغاء ولم يدركوا أن حالة الفوضى التى هم عليها كانت بسبب ظلمهم اللا مباشر فى تمييز أنفسهم وحاشيتهم عن البقية فنشأ هؤلاء فى ظروف قاسية تفتقر للآساسيات من حقوقهم الانسانية، لذا لا حق لنا أطلاقا فى محاسبتهم على عنفهم أو فوضاهم.



    هناك أمر أخر أحزنني في الفيلم، من المعروف ان الاديان السماوية والعقائد على أختلافاتها بريئة تماما مما تصير إليه بعدما يضع الانسان لمسته فيستخدمها لتحقيق مآربة بالضحك على البسطاء الجهلاء. أحد ألابطال فى هذا الفيلم، شخص فقير لا يملك شئ ويعمل عند رجل ثرى، تعرف على أحد أصحاب الديانة الجديدة، وكان يحمل طعام مخدومه فحفزه الداعي للدين الجديد علي توزيع هذا الطعام على الفقراء وخيانة الامانة، بحجة أن السعادة التى سيشعر بها وهو يساعد محتاج ستخفف عنه الم العقاب، وان الثرى الذى يعمل لديه لن يضره نقص هذا الطعام. أدرى أن لا شئ من الاديان يدعو لما قاله هذا الداعى، وان هذا الفتى الفقير البسيط أن تمعن فى التفكير لن يقتنع، وربما لنأى عن دين ينادى بالسرقة وخيانة الامانة لمساعدة المحتاج. وللاسف مؤخرا تخلى شاب يافع عن كل حياته وأنضم لجماعة ترتدى قناع الدين لبساطة فكره لضعف تنشئته الفكرية والدينية القويمة التى تستنكر استخدام العنف ولو لأهداف انسانية.



     الديانات السماوية لا تتصارع ولا تدعو لذلك ولكن معتنقيها يفعلون، نزلت الديانات السماوية على مراحل لتتوافق مع التطور العقلى للانسان الذى نزلت عليه، وأنتهت فى عهد محمد " صلي الله عليه وسلم" لأن الانسان كان قد وصل بلوغه العقلى الذى سيستطيع به وقتها فهم الدين، وجمعه والتعلم منه، والاستفادة من نصحه، وتحفيزه ليعمر الارض، ويعبد الله فيها، وينشر السلام والسعادة والخلق القويم والعلم فيكسبها، ثم يكافأه الله على أجتهاده الصالح فيها بالحياة الرائعة الخالدة فى الجنة بعد البعث.



     كل ما جاء بشأن الحروب والقوة، كان لحماية المؤمنين بوجود قوة تحفظ أمنهم ومسيرتهم، وليس الاعتداء على الغير أو مجرد فرض سيطرة، ما يفعله أتباع أى دين من محاربة أتباع أي دين أخر بدون أسباب قوية كوقف عدوان أو إغاثة أهل مكان ما فهو ظلم، نشر الدين بالإرغام لزيادة أعداد معتنقيه بدون إقناع في هدوء وعقل وتفكر وتدبر لجهل عظيم وظلم بين. وما يفعله الكثير منذ بداية الخليقه مع كل دين سواء محاربته أو نشره بالعنف لا يرضى الله عنه، ولا يدل سوى على نزعة أنسانية مذمومة وهى فرض السيطرة والقوة وأكتساب النفوذ، والله أعلم وأعظم من ذلك، وأى أنسان عاقل أذا تدبر وفكر فى الآيات من حوله لأستدل عليه وتأكد من وجوده بقلبه وعقله وكيانه ككل قبل دينه.



الطبقية والفساد والفقر والسطحية والجهل هم عماد أى تطرف، وأبناء الاقوام التى تنشأ فى تلك البيئة معظمهم ذو عقل خاو ومبادىء رخوة وسخط داخلى وطاقة غير مستغلة، فيأتى ذو المصلحة وبأسم الدين المهجور الذي لا يدرك معتنقيه تفاصيله مع شعورهم بالذنب لذلك، يلعب ويتاجر بأمانيهم ويملئ فراغ عقولهم بما يفيده وحده ويشتهيه .



     شاهد الفيلم وستجد أن ما نراه الان مؤخرا من جماعات دينية متطرفة فى الجانب الاسلامى كان موجود قديما فى الجانب المسيحى والوثنى، حتى اليهود الان ينشئون ابنائهم على تطرف أعمى .. وفى الغرب بشكل أقل تجد هذا فى بعض الجماعات المتزمتة السرية لعلمانية دولتهم التى لن تقبل بهم ... وفى نهاية تلك الصراعات تجد الاف القتلى والجرحى من جميع الجهات المقتنعون بأنهم شهداء دينهم، بينما لم يخلقهم الله ليتقاتلوا ويدمرون الارض بدلا من تعميرها.



     حين ترتبط أرواح ودماء أشخاص سطحيين الفكر، متعصبين الاتجاه بقائد عنيد، مراوغ، مسيطر وخبيث يصبح الامر بالغ السوء والقذارة فتجد تحت أسم أسمى القيم يراق الدم وتبتر الاعضاء وتزهق النفوس. هناك حرب أبدية بين النور الظلام، لا يتتابعان مثل الليل والنهار بل يتحاربان دوما، وفى يقين أجزم أن النور هو الحب، العلم، التسامح، السلام، الرضا، والخير. ومضاداتهم كلها هى الظلام وان أتشح اصحابها برداء أى دين، فالكراهية، والعنف، والانتقام والحقد والطمع والسطحية كلها صفات الشر والظلام، وخالقنا هو النور الذى يُغشى العيون، وأن أتصف بالمنتقم الجبار فذلك على هؤلاء العتاه فى الاجرام الذين يسفكون الدماء بثبات أعصاب ولا مبالاة لتحقيق مصالح لهم أو تنفيث أحقاد دفينة.



     من يتفكر فى مقولة " العلم نور " التى أنتشرت كشعار لحملة تعليمية لوجد أنها بليغة بشدة فالعقل فى غياهب الجهل يعجز عن الرؤية الصحيحة الشاملة ويبدأ الخيال يرسم له أمور وهمية لتجيب أسئلته الخاصة وتصبح قناعاته وايمانه وهى الجهل بعينه، لذا من يتعلم ويفكر يفتح مدارك عقله بلا حدود فتستنير بصيرته وتدل قلبه على النور، على خالقه العظيم العالم بغيابات الامور والبديع والدقيق بشدة فى كل ما خلق فى هذا الكون اللا متناهى الحجم والروعة.