الأحد، 15 ديسمبر 2013

روايه اللعنة (6)





يجلس أحمد و  أبوه و  ابن عمته حول أمه السابحة في الغيبوبة متجهمين ، بينما تبكي ندى بصمت و هي تحتضن عادل في محاولة يائسة لتخفيض صوت بكائه حتي لا يثور أبوها عليه ، بعد  أن  اخبرهم الطبيب ب استمرار  تدهور حالة الأم بدون أسباب و اضحة و  أن  عليهم التواجد معها بأقصى حد ممكن لاحتمالية  أن  تكون تلك أيامها الاخيرة بالحياة .
و يبدو أن  ما كانت ندى تخشاه لمعرفتها الجيدة بطباع أبيها قد حدث ، فقد  انفجر صارخاً بهم دون  أن  يأبه لكونه في المستشفى .

-           أمكم ما ماتتش لسة علشان العياط دا كله

تفاجأ سعد و عادل بتلك الثورة فنظر سعد مندهشاً لأحمد الذي لم يتأثر إطلاقاً بما حدث ، و  أمتنع عادل عن البكاء راغماً نفسه مع  استمرار  هطول الدمع من عينيه و اضطراب  أن فاسه الذي كان  مسموعا لسرعته و  ثقله مما زاد من غضب الأب فنظر له بنظرة نارية فاخذت ندى اخاها لخارج الغرفة .

نظر الأب نحو الأم ثم دفن رأسه في ذراعها مما أدهش سعد و  أحمد و  ما لبثت ثوان  و  ارتفع صوت بكاءه و  نشيجه بحرقة و  أحمد مستمر في تأمله باندهاش فضغط سعد علي ذراع أحمد و  أشار له نحو الباب فقاما في هدوء و  تركا الغرفة . و  لكنهم لم يجدوا ندى أو عادل مما أقلق سعد فطمأنه أحمد بأنها  مؤكد اخذت عادل لكافتيريا المستشفي لتهدئ من روعه .

صمتا قليلا ثم تكلم أحمد في شرود دون  أن  ينظر لسعد و  كانت نظراته كمن يشاهد أشياء بعيدة .
-            أناأول مرة أشوف بابا كده
-           طبيعي يا ابني ..دا مش غريب
-           لا غريب .. بابا في الفترة الاخيرة قبل موت و الدتك كان  حاد جدا مع ماما ، تقريبا كان  كل كلامهم خناق .
-           اديك قلت .. قبل موت أمي .. مش سهل يا أحمد اخته و  مراتة يروحوا و را بعض كدا من غير ما يهزوا أعصابه .. دا  إن  ما كسرهوش حجم الخسارة.
-           بمناسبة هز الأعصاب ...إيه برود الأعصاب اللي نازل عليك دا و  لا كان  أمك ماتت .
-            انت مش قادر علي أبوك ها تطلعهم عليا  أنا؟ عموما يا سيدي  أناجاي مصر بس علشان  ازور قبرها و  عديت مرحلة  الآن كسار دي من فترة .
-           غريبة
-           قوم نجيب حاجة ناكلها و  نجيب لأبوك كمان .. إحنا داخلين علي المغرب و  ما حدش داق لقمة من الصبح . و  بالمرة نطمن علي اخوك و  أختك .

..............................................................


رفع روؤف "أبو أحمد" رأسه من على ذراع زوجته و أخذ ثوان  ليتمالك نفسه و  مسح و جهه المبتل بذراعه ثم التفت حوله فوجد الغرفة فارغة فتنفس الصعداء ثم قام و  توجه للثلاجة الصغيرة في زاوية الغرفة و  اخذ منها زجاجة مياة معدنية صغيرة و  شربها كلها  ثم ألقاها في القمامة و  عاد لكرسيه مجدداً بعدما حركة قليلاً بحيث يواجه في جلسته زوجتة ثم أغمض عينيه و  بدأ يكلمها بغضب .

-           نبيلة ..  أنا عارف  أنك سامعاني .. مش عارف بس لأ دا  أنا متأكد كمان  . لو كان  حسن هو السبب في اللي  إنتي فيه  أناهاقتله .. قلت لك الواد دا مش ها ييجي منه غير المشاكل و  ما صدقتينيش .

صمت قليلاً ثم بدأ يكلمها بهدوء .

-           ما احنا كنا عايشين مرتاحين ليه فتحتي الأبواب القديمة ؟ صدقتيني دلوقتي لما قلتلك الطريق دا اخرته سودا .. آدي آمال   و لعت و   أنتي كنتي ها تروحي مني بسببها .. عرفتي دلوقتي  أن  الموضوع حب و  خوف عليكي و  على عيالنا مش إنكار وتكبر زي ما بتقولي ؟ أرجوكي كفايه هروب و ارجعيلي .

شرد قليلاً و دون  أن  ينتبه سالت دمعة و حيدة من عينيه فنظر لزوجته بحب .

-            أنا بحبك يا نبيلة و لولاكي كنت حصلت صالح ، و حبيتك أكتر لما احترمتي رغبتي و  بعدنا عن الطريق دا و  اهتمينا بعيلتنا و  خلاص .. آه زعلان  منك لأنك كنتي بتسيبي أحمد عند آمال   كتير بس سعد هو اللي كان  بيخليني ما اتكلمش في الموضوع دا و  اقول الواد لوحده و  اخواته بنات و  ابوه و جوده زي قلته فمافيش مشكلة انه  يبقي مع أحمد ، بس بصراحة  أنافرحت لما سافر و  كنت عارف  أن  أحمد مش هيقعد هناك زي الأول بعدها و  لا آمال   هاتجرؤ تنطق بكلمة ليه علشان ي . حتي بعد ما رجع دلوقتي مطمن و  مش فارق معايا بعد موت آمال  . كدا صالح و  آمال   و أنس ماتوا و  السر مش هيخرج عني و  عنك و  ها يموت مع أنا.

ثم أستدرك و  قال كمن ينفي كلامه و  ينكره .

-           بس أكيد   مش قصدي  أنك تموتي دلوقتي ... ما تفهمينيش غلط . ...  أناعارف  أن  أحمد و  ندى و  عادل من حقهم يعرفوا بس تضمني منين  انهم ما يحصلوش اعمامهم و  يموتوا في الاخر ..  أناعارف  إنك مش راضية عن رأيي دا بس آديكي شفتي  أنس لما و افقك حصل لكوا إيه ... قومي بقي  انتي طولتي أوي و هاقولك جملتك اللي كنتي دايما بتعصبيني بيها .. " إحنا مش زيهم يا روحي " .

....................................

يجلس أحمد و  ندى و  عادل في كافتريا المستشفي بعدما أصر سعد أن  يستريحوا حتي يشتري لهم الطعام بدلاً من العصير الذي أحضرته ندى لنفسها و  لاخيها الصغير قبل حضورهم ، ظل أحمد يرمق عادل و  اخته في صمت و وجد أن  عادل قد توقف عن البكاء و  أن  ندى تمالكت أعصابها و  أصبحا الإثنان مختلفين تماماً عما ك أناعليه منذ قليل في الغرفة ، و  حين لاحظت ندى نظرته المتشككة ابتسمت ابتسامة متكلفة و  قالت في تردد :

-            أناحاسة ان ماما ها تخف قريب قوي .

فابتسم عادل بفرحة و  زادت نظرة أحمد تشككاً ثم قال :
-           يا رب

صمتت ندى و  اخرجت هاتفها النقال و  بدأت تعبث فيه في توتر فقال أحمد بلهجة هادئة

-           هو مين اللي روق أوضتي اخر مرة يا ندى ؟

نظرت له ندى في استغراب من السؤال الذي في غير محله و  أجابت في دهشة
-            أنا.
-           ودا كان  إمتى ؟
-           من 3أيام
-           ما لاحظتيش حاجة غريبة ؟
-           حاجة غريبة زي إيه ؟
-           زي ..

و رن هاتف ندى بشكل مفاجئ أفزعها فانتفضت فزاد شك أحمد أن هناك شيء مريب ، نظرت ندى للشاشة ثم ردت بصوت خافت جداً بعد أن التفت نصف لفة فوق مقعدها و أعطت ظهرها لاخيها .


-                لسة هنا ... لا مينفعش .. طيب .. خلاص حاضر .


وضعت ندى الهاتف في حقيبتها و  ارتشفت اخر رشفة من عصيرها ثم توقفت و  قالت  أنها  ذاهبة للحمام و وصت عادل بألّا يبتعد عن أحمد و  كان  ذلك بالتزامن مع حضور سعد بالطعام فاستغرب  انصرافها ثم جلس بجانب أحمد و  بدأ يفتح أكياس الشطائر بينما أحمد يرمق اخته و  هي تبتعد فنظر لأحمد و  هو يعطي عادل شطيرته سائلاً إياه

-           هو فيه إيه يا أحمد ؟
-           فيه حاجات كتير ماعرفش عنها حاجة .

ثم مسك يد سعد وهو يفض شطيرة اخري و  قام من مقعده .

-           لأ استني ها شوف حاجة قبل الأكل ، خلي عادل معاك و   أناراجعلك تاني .

و قبل أن يتحرك أحمد من مكانه  انقطع التيار الكهربائي عن المستشفي كلها و عم الظلام .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق