السبت، 28 سبتمبر 2013

رواية اللعنة (1)




فتحت الباب بهدوء حتى لا أزعج اهلى النائمين ، لم اضأ النور، دخلت واغلقت الباب برفق .
    -  لسه بدرى ياباشا .
باغتنى الصوت فجأة فى الظلام ، إنه صوت ابى ، فتحت النور فالمواجهة فى الظلام ليس امر محبب لى فوجدته جالس على الكرسى ويتضح من جلسته أنه كان ينتظرني من فترة طويلة .
-         أزيك يا بابا .. ايه اللى مسهرك كده؟.
-         مستنيك
-         خير يابابا .. فى حاجة ؟
وقف ابى وهدوء ملامحه وصوته يبدوان كالهدوء الذي يسبق العاصفه .
-         كنت فين ؟
-         مع اصحابى
-         بقولك كنت فين مش مع مين .
-         عادى كنا بنتمشى فى وسط البلد .
-         وسط البلد.. جميل .. وبعدين ؟
-         وبعدين ايه ؟
-         بص .. انا مفيش حيل طويل ومش هفضل اشد الكلام منك كلمة كلمة .. انت عاجبك حالك ده ؟
-         متخلى الكلام للصبح يابابا .
ويبدو انها كانت تلك القاضية .. علا صوت ابى بغضب قائلا :
-         الصبح .. وانت بتصحى الصبح .. ما انت هتدخل دلوقتى تفتح الزفت بتاعك وتقعد على النت لبعد الفجر وتنام وتصحى على اخر النهار تاكل وتجرى على اصحابك الصايعين ومش هشوف وشك .

كان طبيعى نتيجه لهذا الانفجار ان يستيقظ كل من في البيت واظن جيراننا ايضا استيقظوا . ثوان ووجدت معنا كلا من امى التي استيقظت لتعرف سبب هذا الضجيج واخواتى الذين خرجوا من فراشهم ليشاهدوا الاخ الاكبر فى مذبحة المماليك تلك . وبالطبع انا صامت لان اى كلمة أو اى عذر أو تعليل للحالة أو أسلوب حياتى لن يكون سوى جدلا فارغا سيزيد من حالة غضب أبى و سيطيل من زمن هذا الموقف السخيف فقررت أن اصمت وأنا ادعو الله ان ينتهى ذلك سريعا ... ويبدو أن السماء كانت مفتوحة والله قد قبل دعائى فدفع بملاكه الساكن فى بيتنا لينهى الامر .
-         أمى : صلى على النبى يا أبو احمد .. الساعة 3 الصبح ومش هنصحى الجيران على صوتنا تعالى نام والصباح رباح .



ثم نظرت لى قائلة
-         وانت نام دلوقتى علشان عايزين نكلمك فى موضوع بكرة ومينفعش سهر بعد دلوقتى .
فنظرت لابى المحدق فى بغضب وأومأت دون كلمات وتوجهت لغرفتى غير مبال بأحد .
ابى محق و أنا أُقدر غضبه  ولكنى غير قادر على فعل شىء لقد ذهبت لمئات الشركات وهناك جملة يبدو انها محفوظة قد سمعتها منهم جميعا " أسبوعين وهنتصل بيك نحدد لك ميعاد الانترفيو " وقد صدق البعض منهم والباقى لا .. كما ان من قبلوا كانت مقابلاتهم عقيمة عابثه ، لا أدرى أهى للبحث عن موظفين حقا أم مجرد وسيلة لاستغلال الوقت بمرح لهم ؟  أنا ....

ترررن ترررن ... ترررن ترررن ... ترررن ترررن

طال رنين الهاتف ولم يرد احد  ، يبدوا انهم ناموا ، فرددت أنا
-         الو .. مين معايا ؟
-         .............
-         خير !
-         ............
-         ومحدش كسر الباب ؟
-         ............
-         طيب احنا جايين حالا

أغلقت الهاتف و طرقت باب غرفة ابى بقوة حتى سمعت صوته يسمح لى بالدخول .
-         بابا الحق عمتى امال
-         مالها ؟
-         فى دخان خارج من بيتها
-         دخان .. مين قالك؟
-         جارتها اتصلت وقالتلى ده
قام ابى بسرعة وبدأ يبدل ملابسه وأمى تشاهده فى ذهول صامت.
-         ومحدش خبط عليها أو كسر الباب أو اتصل بالمطافى ؟
-         جارتها بتقولى انها كانت بتتكلم في التليفون معاها من ربع ساعه و فجأه عمتي قالتلها الحقيني انا بتحرق فجريت علي شقتها وخبطت كتير ومسمعتش رد وجوزها مش فى البيت عشان تقولوا يكسر الباب وهى مش هتخبط على حد فى ساعة زى دى وقالت انها اتصلت بالمطافىء قبل ما تتصل بينا بس محدش جه .
-         طيب تعال معايا .
من حسن الحظ انى لم ابدل ملابسى بعد ، ركبت السيارة وقدتها أنا لضعف نظر ابى ليلا وقدت بأسرع ما يمكننى دون أن أصل لحد الخطر .


عمتى امال هى امرأة فى الخامسة والخمسون من عمرها عندها بنتان زوجتهم وسافروا مع ازواجهم .. احداهن لاحد بلاد الخليج والاخرى لليبيا . اما أبنها فأنهى دراسته والح على ابيه حتى تمكن من أقناعه ببيع البيت الى يملكوه فى الشرقية و أخذ المال وسافر ليعمل و يعيش بألمانيا .. ويبدو أن اولادها كانا الرابط الاخير بينها وبين زوجها فبعد سفر بناتها طلقها وتزوج بأخرى صغيرة السن ولكن ترك لها المنزل مع التزام بمبلغ مالى جيد شهريا كنفقة لها ، يبدو ان تلك وسيلتة لشكرها على عمرها معه .. هو على كل حال رجل ثرى نوعاً ما والشقة والمبلغ لن يكلفاه شيئا ، ولكنه تركها للوحدة والندم والذكريات والاحزان .


 وصلنا لأسفل المبني الذي تسكن به فتركنا السيارة صف ثان وركضنا الى شقتها بالدور الرابع وكان من الواضح ان المطافئ لم تأت بعد .
كسرنا الباب ودخلنا ، كان هناك دخان ابيض كثيف يخرج من غرفة نومها مع رائحة غريبة لم اشم مثلها من قبل .. دخلنا الغرفة ولكن الدخان  كان يمنع رؤية اى شىء .. ظل ابى يناديها وأنا فتحت الشباك لاخرج الدخان .. ومرت نصف دقيقة حتى بدأت ملامح الغرفة تظهر وأذهلنا ما رأيناه حينها .. كانت الغرفة فارغة .. ولا يوجد اثر للنيران الا علي الفراش وغطاءه المحترق وعدة احترقات خفيفة على الكرسى بجانبه كالاحتراقات التى تنتج من سقوط عقب كبريت أو سجارة على قماش .
غطاء الفراش  كان معظمه محترق وهناك تراب كثير عليه والجزء الغير محترق منه مرتفع قليلا عن الفراش وكأنه يخفى شيئا أسفله.


اقتربت ببطىء وحذر من السرير مشدوه من غرابة ان يحترق غطاء فراش دون ان تأكل النيران الغرفة أو على الاقل السرير . خرج ابى من الغرفة ليبحث عن عمتى فى باقى الشقة بعد أن أطمأن أن عمتى ليست فى الغرفة التى حدث بها الحريق .. ولكننى ظللت فى مكانى أتأمل الفراش .. انتابنى فضول أن أعرف ماذا يخفى الجزء الغير محترق من الغطاء تحته .. مددت يدى بهدوء وحذر وكل ما يجول برأسى أن هناك شىء متأهب تحته ينتظر حتى ينقض علي من يكشفه. اللعنه علي افلام الخيال العلمي المرعبه التي اشاهدها. رفعت الغطاء بسرعة وأنا اقفز للخلف حتى اتحاشى هذا الشىء الذى يتأهب لى .


ولكن .. لم يحدث شىء .. فقط تناثر بعض التراب الذى كان على الغطاء نتيجة لرفعى له بسرعة. اقتربت من الفراش بهدوء وانا أنظر بذعر عما كان مختبىء تحت الغطاء .. كانا ساقين متجاورين غير متصلتين بجسد ما . ساقين ذو ركبتين محترقتين وباقيهم لم يمسه خدش . ساقين يرتديا جوارب عمتي المزرقشه التي لا تنام بدونهم ولطالما ضحكت عليها وعليهم حين كنت انام عندها .





تركت نفسي لأسقط علي اقرب كرسي بعد ان وهنت ساقاي حتي عن ايقافي .  ماذا يحدث ؟ ما تلك الساقان ؟ أتلك دعابه سخيفه ما ؟ لو كانت كذلك كيف أتت عمتي بتلك الساقان والدخان الأبيض والرائحه الغريبه تلك ؟ وأن لم تكن ، أحقا عمتي احترقت والباقي منها فقط ساقيها ؟ أكان أخر كلماتها " أنا أحترق " ؟ هل يمكن ان يحترق أي شخص ويعبأ بأن يخبر احد تليفونيا بذلك بدل الأنشغال بأطفاء ذاته ؟ نعم هي كانت مدخنه مؤخرا وربما سقطت السيجاره علي الفراش فأشعلته ولكن ليس بتلك السرعه يحدث الأمر ، والساقين اعلاهم محترق فقط وباقيهم سليم فكيف ؟ كما ان النيران لا تصل لدرجه التفحم تلك . تفحم .. أهذا التراب الذي أثرته برفع الغطاء هو رماد عمتي ؟
لم أتمالك نفسي من الذعر ولم أنادي ابي لأخبره عن ظنوني وهواجسي تلك ولكن فاجئني أبي بصوته قائلا : أحمد عمتك شكلها مش هنا .. تعالي بسرعه  .. أمك اتصلت بيا بتقولي أنها بتتخنق ...









هناك تعليق واحد: